• ×

قائمة

Rss قاريء

قصة - الحلم المستحيل

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
نبراس - علاء حمدي - جازان المباركة 
كانَ يتقلّبُ في فراشهِ كَمَنْ يضطجعُ على جمر الغضا، عبثًا حاولَ يغفو، وخانتهُ عيناهُ الفاحصتانِ شاشةَ الجوالِ بين الفينة والفينة، مرّاتٍ ومرّات ، عسى يجدُ منها رسالةً، ربّما جاءته ولعلّةٍ في الجوال لم يسمع ما يبشّر بها .. منذ الأمسِ وهو سجين غرفته، لم ينم إلاّ ساعةً، جاءت نتيجة إرهاقه من كتابة الرسائل التي لا تصلها، ومن محاولات الاتصالات الفاشلة، حتى كادَ الجوال يشتعلُ قي يده، لحرارة التشغيل ربّما، أو لعلّها سرت إليهِ نيرانُ الشّوقِ المتأجّجة في صدر مستخدمهِ؛ فاستعر وجدًا…
وها هي المرّة الألف التي يحاول فيها الاتّصال بها، ولا من يجيب .. وها هي الرسالة المئويةُ التي لم ترجع مفرداتُها إلاّ بالصدى؛ فوحده من يقرأ ما في طيّاتها من حروفٍ تتلهّف حنينًا لتلكِ الّتي تسكنُ منه الحنايا ..
وأخيرًا .. افترّ ثغره عنِ ابتسامةِ رضا، وهو يسمع رنين جوّالها، ويجيئه صوتها ليهدّئ غليانَ أوردتهِ .
ـ ألو ..
تراقص قلبُه وتسارعَ نبضُه فبادرها بترديد حمدلةٍ ، واردفَ : لشدّ ما خشيت أن يكون قد أصابك مكروه، منذ الأمسِ وأنا أضربُ أخماسًا بأسداسٍ، وأفرغ إبليسُ جرارَ وساوسه بعقلي.
لِمَ يا حبيبتي لم تردّي على اتصالاتي، أو تجيبي عليّ برسالة واحدة تُنقذني ممّا اعتراني ؟! ياااااااااه… ليتكِ تعلمينَ كم هو ثقيلٌ الوقتُ الّذي يأتي دونكِ ؟! .. أشعرُ أنّكِ غِبتِ لقرونٍ خَلَت؛ تاللهِ أخبريني : ما الّذي أبعدكِ؟ لعلّ المانعَ خيرٌ يا مثيلةَ الرّوحِ منّي ؟!
ـ أجابتهُ ـ بفتورٍ على غيرِ عادتها ـ : لا تشغلْ بالَكَ .. ها أنا قد حضرتُ أحملُ حيرتي بين فرحة ودمعة .. لست أعرفُ إن كان يلزمني أن أباشركَ الحديثَ ببكاءٍ على طَلَل، أم بزغاريد استمطرت دمعَ المُقَل ..
قاطعَ حديثها قائلاً : أوّاهُ، أتبكينَ وبي نبضٌ؟ لا اشرقت شمسي وفي عينيكِ دمعةٌ .
لم تتمالك نفسها أمام هذا، وبصوتٍ منتحبٍ صرخت : كفى… كفى .. أنا ما عدتُ املكُني… ما عدتُ لكَ .. ما عدتُ لي ..
ـ ارجوكِ ، تكلّمي بهدوء ليتسنّى لي فهم ما تقولينه .. أحقًّا أتيتِ تُنبئيني بتخلّيكِ عنّي ؟ ولأيّ سبب ؟ أهي غيرتُكِ مجدّدًا ؟ ما أصابكِ ؟ ما الذي تهذين بهِ ؟
خجلت تقولُ حبيبي .. شهقَت وأكملت حديثها : هو القدر جعلني بالأمس لمن لستُ أعرف.. اجتمعوا وقرؤوا الفاتحةَ مبتهجينَ على روحٍ وأدوها في خاتمِ خطبة، ولم تكن أصابعكَ تلكَ التّي قيّدت معصمي بسوارٍ من ذهب !
مبروك .. هي الكلمة الوحيدةُ الّتي أسعفتهُ بها روحُه المتقلّبةُ في لجّةٍ منَ الأحزانِ . وبحركةٍ عفويّةٍ ألقى الجوال من يدهِ دون أن ينبس بعد التبريك ببنت شفة ، وأسند رأسه لراحة كفّه المرتعشةِ غضبًا مكتومًا ، ودّ لو يُخرجه صرخةً تزلزل كلّ شيءٍ ، صرخةَ روحٍ ضاق جسده عليها ، وضاق معها سريره عن جسده الذي شعر به وكأنّه يتهاوى في آتونِ بركانٍ داخليّ لا فوّهةَ لهُ فيلقي على كلّ الوجود حممَ الحنايا ..
ليس سوى دمعٍ تلاحق على وجنتيه وتراءت أمامه كلّ احلامه التي كانت بالأمس تحوكُ اثوابها ، وتنحتُ ملامحها، تلك التي أحبّها قلبُه ، وملكت عليه وجدانه، تلك التي عاهدته أن يسكن فؤادها للأبد ، فإذا به يرى نفسه بلحظة في العراء ، يرتدي الصقيع ، ويلتحف الوحشة ، وينادم اللّيل كؤوس الدمعِ مترعةً ..
وهكذا .. صار هو فتى الحلم المستحيل، وصارت هي خطيبةُ آخر .. آخرٌ جاء من العدم ليسكن قلبها ، ويصيرُ هو الّذي شيّد ذلك القلبَ وصانه شريدًا في العدم… هي الآن خطيبة آخر صار لديها العالم بأسره ، وستنسى شيئًا فشيئًا أنّها تركت خلفها قلبًا يتمزّق ألمًا، ويحترق شوقًا .. قلبًا كسرته يدُ الأقدارِ ، وداست هي على شظاياه المتناثرة .. ومضتْ ..
وتمرّ الأيّام تطوي اللّيالي ، وبينما كانت هي تغرق في نشوة الفرح ، وتتراقص مختالةً بفستانها الأبيض ، كان فتى الحلم المستحيل ، يقبع في زاوية من غرفته المظلمة ، الموحشة ، ليكتبَ لها قصيدةَ الوفاء لعهدها ، متّخذًا من الضلع يراعه ، ومنَ المحاجرِ حبرَه، كان وحده يحتفي بعرسها نحيبًا وانكسارًا ، قاطعًا لطَيفها وعدًا ، أن يعيش وفيًّا لحبّها ، المستوطنِ منه الوريد ..
للتقييم، فضلا تسجيل   دخول
بواسطة : سمر ركن
 1  0  504

التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    1 سبتمبر 2016 10:26 مساءً سمر ركن :
    قصه علاء حمدى رائعه فى حبكتها ووصف المشاعر والمواقف . قد تكون طويلة لكنها سلسة عند القراءة وكان الاحرف تجري خلف بعضها لتتلاحق .

    سلمت أناملك
    سمر ركن