• ×

قائمة

Rss قاريء

تحركات دبلوماسية سورية جريئة نحو الشرق

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
متابعات - نبراس 

تواصل الدبلوماسية السورية تحركاتها الجريئة لإعادة وصل ما انقطع من شبكة العلاقات الخارجية، بما في ذلك القوى التي كانت مرتبطة بنظام الأسد المخلوع، وعلى رأسها روسيا والصين. فبعد الزيارة اللافتة التي قام بها الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى موسكو، أعلن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، أن وفداً رسمياً سورياً، سيقوم الشهر المقبل بأول زيارة رسمية إلى الصين.

هذه الخطوة، التي تعد من الناحية السياسية ذات رمزية عالية، تعبّر عن تحوّل تدريجي في طريقة تعامل دمشق مع بيئتها الدولية، بحيث لم تعد العلاقة مع «المحور الشرقي» محكومة باعتبارات سياسية سابقة، بل بمنطق براغماتي جديد، يأخذ بالاعتبار متطلبات إعادة الإعمار، وأولويات تثبيت الاستقرار الداخلي.

في الوقت نفسه يعكس هذا التوجه وعياً سورياً بضرورة تجاوز منطق «القطيعة»، الذي طبع السنوات الأخيرة من عهد الأسد، والانفتاح على مختلف مراكز القوى الدولية، دون الارتباط بتحالفات مغلقة.

فدمشق تدرك أن البيئة السياسية والاقتصادية التي نشأت بعد سقوط النظام، تختلف جذرياً عما كانت عليه قبل عام 2024: ميزان القوى في الإقليم تغيّر، التحالفات السابقة تراجعت، والمقاربات الغربية لا تزال حذرة ومترددة، في مقابل مرونة أكبر من جانب موسكو وبكين في الدخول إلى ملفات ملموسة على الأرض، لا سيما الاقتصادية منها.

هذا الانفتاح نحو الشرق، لا يُفهم بوصفه انحيازاً لمحور سياسي، بقدر ما يعكس مقاربة جديدة، تهدف إلى إعادة إدماج سوريا في المشهد الدولي، بقدر أكبر من المرونة والحركة.

منذ سقوط النظام السابق، شهدت العلاقات السورية مع الغرب حراكاً دبلوماسياً، تَوَّجه الشرع بزيارة غير مسبوقة إلى نيويورك، ولقائه قادة العالم، ومن بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذه الزيارة أعادت سوريا إلى واجهة النقاشات الدولية، لكنها لم تُترجم إلى خطوات اقتصادية ملموسة من جانب الغرب.

فالعقوبات الاقتصادية لا تزال سارية، والقيود المالية والمصرفية تمنع أي انفتاح حقيقي على السوق السورية، الأمر الذي جعل آمال التعافي الاقتصادي رهينة مسار بطيء، لا يتناسب مع التحديات الملحّة التي تواجهها البلاد، خصوصاً في مجالات الطاقة، الغذاء، والنقل.

في المقابل، كانت الاستجابة الروسية والصينية أكثر سرعة ومرونة. فقد أرسلت موسكو إشارات إيجابية حول استعدادها لتوريد النفط ومشتقاته، وتقديم تسهيلات مالية، إضافة إلى مناقشة مشاريع تعاون في مجال الطاقة الكهربائية والنقل.


أما بكين، فتُبدي اهتماماً متزايداً بالدخول إلى السوق السورية، من بوابة مشاريع البنية التحتية والقمح والغاز، مستفيدة من خبرتها في الاستثمار في الدول الخارجة من الحروب. ومن شأن زيارة الوفد السوري المرتقبة إلى الصين، أن تفتح الباب أمام اتفاقيات اقتصادية مبدئية، قد تشكّل العمود الفقري لشراكة طويلة الأمد، خاصة إذا تم ربطها بمشاريع ممرات التجارة الدولية، التي تطورها بكين ضمن «مبادرة الحزام والطريق».

ويؤكد محللون أن مرحلة إعادة الإعمار لا يمكن أن تبقى أسيرة تحولات الموقف الغربي. فإعادة بناء البلاد، تتطلب موارد مالية واستثمارات، وشراكات مرنة، وهي عناصر يصعب تحقيقها في ظل البيئة الغربية المقيدة بالعقوبات.

ومن هنا، فإن الانفتاح على موسكو وبكين، لا يمثل بديلاً كاملاً عن الانفتاح الغربي، بل ورقة متوازنة، تهدف إلى كسر حالة الجمود، وخلق خيارات إضافية، تعزّز قدرة دمشق التفاوضية لاحقاً، سواء في المحافل الدولية، أو في القنوات الثنائية مع أوروبا وواشنطن.

توازنات دولية

كما أن لهذه التحركات بُعداً سياسياً، لا يقل أهمية عن الجانب الاقتصادي. فبإعادة التواصل مع روسيا والصين، تعيد دمشق تثبيت حضورها في منظومة التوازنات الدولية، كفاعل مستقل نسبياً. هذا التموضع الجديد، يتيح للحكومة السورية توسيع هامش المناورة بين القوى الكبرى، مستفيدة من التنافس المتزايد بين الشرق والغرب على النفوذ في الشرق الأوسط.

في هذا السياق، يمكن القول إن زيارة موسكو، وما سيتبعها من زيارة إلى بكين، تشكّلان مرحلة انتقالية في السياسة الخارجية السورية، تنقلها إلى الدولة المبادِرة، التي تحاول صياغة شبكة علاقات متوازنة.

ومن شأن هذا الانفتاح، أن ينعكس مستقبلاً على ملفات حساسة، أبرزها: تأمين إمدادات الطاقة، تثبيت استقرار سعر العملة المحلية، وإنشاء مشاريع بنية تحتية حيوية في مجالات النقل والاتصالات والزراعة. كما أنه قد يتيح لدمشق مساحة تفاوضية أكبر مع الغرب مستقبلاً، إذ لم تعد الأخيرة الطرف الوحيد القادر على التأثير في مستقبل الاقتصاد السوري.
للتقييم، فضلا تسجيل   دخول
بواسطة : admin123
 0  0  31

التعليقات ( 0 )