• ×

قائمة

Rss قاريء

مدير عام “يونا” خلال المؤتمر الدولي لمكافحة كراهية الإسلام: يجب مواجهة مخاطر الإسلاموفوبيا بما ينسجم مع أهداف بناء عالم قائم على التسامح

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
متابعات - نبراس 

انطلقت اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025، أعمال “المؤتمر الدولي لمكافحة كراهية الإسلام” تحت شعار “الإسلاموفوبيا: المفهوم والممارسة في ظل الأوضاع العالمية الحالية”، الذي تنظمه جامعة الدول العربية في مقر أمانتها العامة بالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة كراهية الإسلام.

وخلال جلسة العمل الثانية (استعراض نماذج واستراتيجيات وتشريعات في تعزيز الحوار والتسامح)، تحدث المدير العام لاتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي، الأستاذ محمد بن عبدربه اليامي عن دور الإعلام في مكافحة الإسلاموفوبيا وأهمية المعالجة المهنية والمسؤولة لخطاب الكراهية وسائل الإعلام، حيث بدأ بالتأكيد على ضرورة مواجهة مخاطر الإسلاموفوبيا بما ينسجم مع أهداف بناء عالم قائم على التسامح والتعايش والتعددية، مبينا أنَّ “الإسلاموفوبيا” تعدُّ من بين التحديات الكبرى التي تواجه البشرية في هذه الحقبة، نظراً لارتباطها الوثيق بخطاب متعدد الأوجه، يتهدَّدُ بالوصم، والإقصاء، والتنميط نحو ملياري مسلم حول العالم، معرقلًا بذلك التفاعل الطبيعي للمسلمين مع العالم من حولهم.

وعن تعريف ومفهوم الإسلاموفوبيا، قال اليامي” لا يزال هناك جدل كبير في الأوساط الأكاديمية حول التعريف الدقيق لهذه الظاهرة المقلقة، وبحسب الموسوعة البريطانية، فإنَّ الإسلاموفوبيا هي: “الخوف والكراهية والتمييز ضد المسلمين أو الدين الإسلامي ككل”، وقد ظهر المصطلح لأول مرة في الأدبيات الفرنسية في أوائل القرن العشرين للإشارة إلى المشاعر والسياسات المعادية للمسلمين، ثم انتشر بعد ذلك في اللغة الإنجليزية أواخر التسعينيات الميلادية”.

وأضاف” يفضِّلُ بعض الباحثين والخبراء في العالم الإسلامي استعمال مصطلح “كراهية الإسلام” أو “معاداة الإسلام”، وليس “الإسلاموفوبيا” أي الخوف من الإسلام، محتجين بأنَّ هذا المصطلح الأخير يشير ضمنًا إلى أنَّ في الإسلام ما يُخَافُ منه، مع أنَّ الإسلام في حقيقته دينٌ قائمٌ على الرحمة والتسامح، وهو كأي دين آخر لا يتحمَّلُ تبعات أخطاء بعض المنتسبين إليه مِمَّن يحيدون في أفعالهم وأقوالهم، عمدًا أو جهلًا، عن مبادئه وقيمه السمحة. كما يحتجون أيضًا في رفضهم لمصطلح “الإسلاموفوبيا” بأنَّه يؤدي إلى تطبيع كراهية الإسلام، والتقليل من مخاطرها، وكأنَّ هذه الكراهية مجرَّد رُهَاب وخوف طبيعي مثله مثل الخوف من الأماكن المرتفعة أو الأماكن المغلقة! وليس موقفًا إيديولوجيًا متحيزًا له تداعياته العملية على حياة المسلمين، وربما جرَّ إلى العنف ضدهم، والشواهدُ كثيرة ومقلقة”.

وأردف” يرى بعض الباحثين أيضًا أنَّه ينبغي اعتبار “الإسلاموفوبيا” مرادفة للعنصرية ضد المسلمين، لأنَّ آثارها على حياة المسلمين، ومواقف أصحاب الآراء المعادية للإسلام تتشابه إلى حد كبير مع آثار العنصرية”.

وتابع” بحكم انشغالنا بالمجال الإعلامي، نميل إلى مقاربة “الإسلاموفوبيا” بوصفها خطابًا (discourse)، وذلك بمفهوم “الخطاب” كما استقرَّ لدى بعض المفكرين المحدثين ومفكري ما بعد الاستعمار مثل ميشيل فوكو وإدوارد سعيد، أي أنَّ الإسلاموفوبيا عبارة عن طريقة منهجية ومنظمة للحديث عن الإسلام تستند إلى السلطة وتعكس الأسبقيات الأيديولوجية للأفراد والمؤسسات المشتغلة بإنتاجها أكثر مما تعكس الواقع والحقائق الموجودة على الأرض”.

وشدد مدير عام “يونا” على أن “الإسلاموفوبيا” تجد بهذا المفهوم أرضًا خصبة وفضاءً رحبًا في “الإعلام” بأشكاله المختلفة، لأن وسائل الإعلام هي المسؤولة عن ترويج الخطابات، وترسيخ ما يصحبها من تحيزات وتنميطات في الوعي الجمعي”.

وأضاف” يشير المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد في كتابه “تغطية الإسلام”، إلى أن وسائل الإعلام في الغرب دأبت على تغطية الإسلام، لا بالمعنى الدارج في المجال الإعلامي لهذه الكلمة المتعلق بإعداد الأخبار والمضامين الصحفية حول ظاهرة ما، وإنما بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة الذي يحيل إلى إخفاء حقيقة الإسلام، والتعمية على حقيقة ما يحدث في العالم الإسلامي، في إطار من “الانتقائية” التي لا تخدم العمل المهني الإعلامي، بقدر ما تخدم الأهداف الإيديولوجية للإعلام الغربي”.

وتطرق اليامي إلى بعض السمات الملازمة لخطاب “الإسلاموفوبيا” في الفضاء الإعلامي، مبينا أنه يمكن رصدها بوضوح في كثير مما تنتجه وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام والمسلمين، حيث أوجز هذه السمات في الربط بين الإسلام والعنف، قائلا “عندما يرتكب أحدُ المتطرفين المنتسبين إلى الإسلام عملًا من أعمال العنف، فإنَّه يتم التشديد في وسائل الإعلام الغربية على دينه، أولًا للإيحاء للمشاهد بأنَّ هذا المتطرف إنما يصدر عن تعاليم دينه في ما يرتكبه من عنف وتطرف، وثانيًا لإضفاء طابع جماعي على هذه الجريمة، بحيث يصبح المسلمون كلُّهم، أو على الأقل المجتمع المسلم الذي ينتمي إليه هذا المتطرف، كأنَّما هم شركاء لهذا المتطرف في جريمته! في المقابل لو ارتكب أحد المتطرفين من أتباع الديانات الأخرى عملًا إرهابيًا، فإننا نجد هذه الوسائل الإعلامية بعينها تغفل الإشارة إلى ديانته تمامًا، وتحصر جريمته في طابعها الفردي المتعلِّق به وحده.

وأكد اليامي في ورقته أن من بين السمات الملازمة لخطاب الإسلاموفوبيا، التركيز على النواحي السلبية، وذلك بالتقليل من الجهود التي تبذلها الدول الإسلامية لمكافحة التطرف والإرهاب وحماية العالم من شرورهما، وعدم منحها حيزًا إعلاميًا، مع إغفال حقيقة أنَّ المجتمعات المسلمة هي الأكثر تضررًا من الإرهاب، وأيضا التحيز أو التردد المهني في تناول القضايا المتعلقة بالمسلمين، وإخضاعها للمعايير الأخلاقية والمهنية نفسها التي تطبق على قضايا الشعوب الأخرى. ومن النماذج الواضحة في هذا المقام الوضع المأساوي في قطاع غزة، حيث يُستخدَم “التحيز الإعلامي” للتغطية على الاختلالات العميقة في التصور الغربي لحقوق الإنسان بوصفها مبدأً إنسانيًا عامًا يشمل جميع البشر بقطع النظر عن الانتماءات الدينية والعرقية. وهكذا، فعلى الرغم من مقتل آلاف المدنيين الأبرياء، معظمهم من الأطفال والنساء، وعلى الرغم من انتشار المجاعة وسوء التغذية بين أطفال القطاع، إلا أنَّ الكثير من وسائل الإعلام الغربية لا تزال تتجنَّبُ تسمية الأشياء بأسمائها، والإشارة بوضوح إلى أنَّ ما تفعله إسرائيل هو بمثابة عقاب جماعي، وبمثابة استخدام للتجويع كسلاح حرب، وكلا الأمرين محرم في القانون الدولي.. هذا التردُّد في الإعلام الدولي الغربي، وإنْ كانت له منطلقاته السياسية والتاريخية، إلا أننا لا نبرئ أيضًا ظاهرة “الإسلاموفوبيا” وكأنَّ كون غالبية الفلسطينيين عربًا ومسلمين يجعل من انتهاك حقوقهم أمرًا أقلَّ خطورة من انتهاك حقوق الفئات الأخرى”.

وأشار اليامي إلى أنه من السمات الملازمة لخطاب الإسلاموفوبيا أيضا، تصوير القيم التقليدية للإسلام، خصوصًا المتعلقة بمؤسسة الأسرة والزواج، وكأنَّها مختلَّةٌ بشكل جوهري، وغير متناسبة مع العصر الحديث. ونرى هذا الاتجاه بوضوح في السينما الحديثة، ولا سيما في بعض الأفلام الحديثة، فعندما يراد تصوير شخصية مسلمة على نحو إيجابي، فإنَّه يتم ربطها ببعض الممارسات المرفوضة في الإسلام، كالشذوذ ونحوه، وكأنَّ المسلم لا يكون إيجابيا مندمجًا إلا بانسلاخه من قيم دينه.

وشدد على أن مواجهة “الإسلاموفوبيا” في الفضاء الإعلامية تتطلب دورًا فاعلًا من مؤسساتنا المشتركة، كما تتطلَّب تفعيل الحوار مع المؤسسات الإعلامية الدولية خارج العالم الإسلامي، مؤكدا أن كثيرًا من هذه المؤسسات لديها الرغبة المهنية والحافز الأخلاقي لإنصاف المسلمين، وتقديمهم على بصورة موضوعية، لكنها كثيرًا ما تفوتها كيفية الإنصاف وجهته، وهذا ما يتطلَّب تواصلًا نشطًا وحوارًا مستمرًا مع هذه المؤسسات لإطلاعها على الصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف، وتنبيهها إلى ما يقع من أخطاء في تناولها لشؤون المسلمين وقضاياهم.

وأوضح المدير العام لاتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي، أن الاتحاد بوصفه أحد الأجهزة الرئيسة للمنظمة في مجال الإعلام، حرص على الاضطلاع بدور فاعل في هذا الصدد، حيث نظم في نوفمبر 2023 بمدينة جدة، المنتدى الدولي “الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف مخاطر التضليل والتحيز”، وذلك بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي وبمشاركة جميع وكالات الأنباء الرسمية في دول منظمة التعاون الإسلامي، وعدد من وسائل الإعلام الدولية والمؤسسات الفكرية والدينية، حيث سعى المنتدى إلى الخروج بتوافق دولي حول معالجة خطاب الكراهية، ولا سيما الإسلاموفوبيا، في مجال الإعلام، والدفع نحو بناء محتوى إعلامي يحترم الخصوصيات الدينية والثقافية، ويحتفي بها في إطار من التنوع والتعددية والتعايش.

كما أطلق الاتحاد “ميثاق جدة للمسؤولية الإعلامية” الذي تضمن مبادئ بخصوص الالتزام بالمثل الأخلاقية المشتركة في العمل الصحفي، وصيانة حقوق الإنسان واحترامه أيًا كانت هويته الدينية والوطنية والإثنية، والامتناع عن بث ونشر ما من شأنه المساس بحقوق الآخرين أو انتهاك خصوصياتهم.

وفي السياق ذاته، أطلق الاتحاد “جائزة يونا للمهنية الإعلامية”، وذلك لتكريم الهيئات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والأفراد الملتزمين بالقيم الإعلامية في مجال مكافحة خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة.

وجدد استعداد الاتحاد للانخراط في أي مبادرة تهدف إلى تعزيز دور الدول الأعضاء في مكافحة الإسلاموفوبيا، ولا سيما في مجال الإعلام، الذي يعد الميدان الرئيس لمعالجة هذه الظاهرة.

وتقدم اليامي بالشكر لجامعة الدول العربية ومنظمة الإيسيسكو على عقد هذا المؤتمر المهم في هذا التوقيت الحساس الذي يشهد فيه العالم أزمات مختلفة تتطلب تغليب المحبة على الكراهية، والوئام على الشقاق، والسلام على الصراع، لضمان مستقبل أفضل للبشرية، كما قدم شكره لجمهورية مصر العربية على استضافة هذا المنتدى كامتداد لجهود حكومتها وقيادتها الرشيدة ممثلة في فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، للدفاع عن الإسلام، وإبراز قيمه السمحة، ومكافحة خطابات التطرف والكراهية.
للتقييم، فضلا تسجيل   دخول
بواسطة : admin123
 0  0  54

التعليقات ( 0 )