• ×

قائمة

Rss قاريء

سوق عكاظ التاريخي: أفكار اقتصادية معاصرة تتحالف مع صورته التاريخية لجذب شباب الأعمال وتحفيز المبدعين وترفيه المجتمع

إنشاء "مدينة سياحية" تنسجم مع رؤية السعودية 2030 بمقر السوق

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
جدة - عاطف القاضي-نبراس الفيصل: لم يتم استدعاء سوق عكاظ بعد فترة طويلة ليكون سجيناً للماضي.. بل لتحويل ماضي السوق إلى واقع الحاضر واستشراف المستقبل

تواصل المملكة العربية السعودية العناية بــ "سوق عكاظ" ، بوصفة رمزا ثقافيا وتاريخيا مهما ومصدرا جديدا من مصادر التنمية في مدينة الطائف وهي من أهم المدن السياحية السعودية.

وتعود البدايات الأولى لإحياء السوق عام 2007، حينما حضرت صورته المعاصرة لتحمل رؤية مختلفة عبر إبراز نوعي لـ"السوق"، في إطار الاهتمام بالشباب في عمق ذلك الموقع التاريخي، بحثاً عن أفكارهم وأحلامهم ورؤاهم الخاصة، وربط ذلك بالاقتصاد والإنتاج والإبداع .

وعلى مقر السوق في موقعه التاريخي، الذي يقع على بعد 45 كيلومتراً شرق الطائف على طريق الرياض، يتجلى اهتمام إمارة منطقة مكة المكرمة بتقديم حدث الدورة العاشرة لهذا العام، خلال الفترة بين 6 – 16 ذو القعدة المقبل (9 – 19 أغسطس)، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

ويُشار إلى أن عودة السوق التاريخية لواجهة الأحداث الثقافية العربية، ارتبطت بعهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله)، في عام 2007، بمبادرة من الأمير خالد الفيصل عقب تعيينه أميراً لمنطقة مكة حينذاك، حيث تبنت الإمارة فكرة إحياء السوق؛ ليكون أحد أهم مخرجات الاستراتيجية التنموية للمنطقة.

لهذا أكد الأمير خالد الفيصل في كلمته التي ألقاها منتصف شهر رمضان الماضي عقب إعلانه أسماء الفائزين بجوائز السوق على أنه "لم يتم استدعاء سوق عكاظ من الماضي بعد فترة طويلة ليكون سجيناً للماضي، بل جاء ذلك لتحويل ماضي السوق إلى واقع الحاضر واستشراف المستقبل، وأن يقدم فكر وثقافة المملكة العربية السعودية للعالم أجمع وأن يتحدث عن التاريخ العريق للثقافة والفكر والحضارة العربية والاسلامية التي انبثقت من الجزيرة العربية، وأن يكون السوق نافذة على المستقبل يطلع من خلالها المواطن السعودي، وخصوصاً الشباب والشابات، إلى ما يخطط لمستقبل هذا العالم ومستقبل الإنسان على الكرة الأرضية".

إثبات معرفي من عمق التاريخ

أثبت التاريخ أن "سوق عكاظ" كان يمثل ركناً مهماً في الذاكرة العربية والإسلامية، حيث تقول الكتب التاريخية إنه بدأ قبل الإسلام، واستمر حتى نهاية العصر الأموي، وزارها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع أعمامه، وبعد نزول الوحي زارها أيضاً. وتكشف الكتب ذاتها أن عكاظ كان سوقاً حافلة بكل أنواع النشاط التجاري، ومنتدى ثقافياً تُعرض فيه حوليات الشعراء، وملتقى اجتماعياً يلتقي فيه القاصي والداني. ومن عكاظ خرجت عيون الشعر والنثر العربي القديم، وباسمه اقترنت أسماء لامعة في الثقافة العربية كالنابغة الذبياني، وقس بن ساعدة الأيادي، وذي الأصبع العدواني، والخنساء، وغيرهم.

كل ذلك يدل أن "سوق عكاظ" مثلت ولا تزل تمثل مركزاً معرفياً مهماً يحرك أضواء العصر صوب التاريخ، أملاً في الاستقطاب الثقافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، إذ يمكن الإفادة منه دائماً في تقريب وجهات نظر أبناء الأمتين العربية والإسلامية، مثلما كان يفعل تاريخياً بالتقريب بين القبائل المتناثرة حينذاك.

إثبات حاضر الشباب

حاضر "سوق عكاظ" يسعى جاهداً لإثبات حضور مفاهيم معاصرة، في سياقها الأدبي والاجتماعي والاقتصادي، مثلما سيثبت المستقبل تحقيق رؤى واعدة ترتبط جميعها بجيل الشباب بناة العصر والمستقبل وعماد الأوطان.

ومثلما كان الشعر وحده يمثل لسان "سوق عكاظ" الفصيح بين قبائل العرب، لم تعد الصيغة الأدبية في يومنا هذا معلَّقة بذاك اللسان وحده، حتى لو كانت في وضعية القصائد "المعلَّقات"، إذ بادرت الدورة العاشرة إلى استحداث تنافس أدبي جديد في إطار جائزة سردية للرواية قيمتها 100 ألف ريال، إذ تُعدّ واحدة من ثلاث جوائز للسرد تُقدَّم كل عام بالتناوب، لتبدأ هذا العام بالرواية، ثم القصة القصيرة في العام المقبل، وأخيراً السيرة الذاتية في الدورة الثانية عشرة.

ولأن مفهوم سوق عكاظ التاريخي كان ينبني أيضاً على عرض منتجات التجارة والصناعة، في صيغة اقتصادية تتماهى مع ذاك العصر القديم، كان لابد أن تكون الصيغة الاقتصادية المعاصرة حاضرة، في إطار التجديد الذي يأتي ضمن احتفائية السوق عموماً.

ولعل من أهم ملامح الاقتصاد العصري "الريادة المعرفية والابتكارية"، التي ترتبط بجيل الشباب من الاقتصاديين الجدد عبر مفهوم "اقتصاد المعرفة"، الذي بات رهاناً بين الأمم. وهنا تم استحداث جائزة "ريادة الأعمال "، في الدورة العاشرة، حيث تضاهي قيمتها المعنوية والمالية جائزة "شاعر عكاظ"، إذ تقدر قيمتها بــ 200 ألف ريال.

لهذا ارتفعت عدد جوائز عكاظ إلى 10 جوائز، كما ارتفعت قيمة جوائز السوق عن الدورات السابقة، لتصل القيمة الإجمالية إلى مليون وسبعمائة ألف ريال، بعد إضافة جائزتي ريادة الأعمال وجائزة الرواية.

الجوائز العشرة لـ"سوق عكاظ"

** جائزة شاعر شباب عكاظ: مخصصة للشعراء الشباب، وتهدف إلى تشجيع الشعراء الشباب بالمملكة، وقيمتها 100 ألف ريال.

** جائزة لوحة وقصيدة: تشجع الفنون عامَّة وما يرتبط منها بفن العرب الأول وهو الشعر، بإيضاح العلاقة الوثيقة بين الشعر والرسم، وقيمتها 100 ألف ريال على 3 مراكز.

** جائزة التصوير الضوئي: مفتوحة للمصورين من داخل المملكة وخارجها، والمشاركة متاحة للجنسين، وجائزتها 100 ألف ريال على 3 مراكز.

** جائزة الخط العربي: مفتوحة للخطاطين من داخل المملكة وخارجها، وقيمتها 100 ألف ريال على 3 مراكز.

** جائزة رائد أعمال عكاظ: تهتم بريادة الأعمال في تأسيس شركات ناشئة عبر حلول إبداعية، وقيمتها 200 ألف ريال.

** جائزة مبتكر عكاظ: تستهدف المبتكرين في المملكة الذين نجحوا في تحويل أفكارهم الإبداعية والابتكارية إلى منتجات أو خدمات ذات عوائد مالية، وقيمتها 100 ألف ريال.

** جائزة الرواية: تشجع كتابة السرد عبر ثلاثة فروع (الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية)، في كل عام تقدم الجائزة في أحد الفروع، وقيمتها 100 ألف ريال.

** جائزة الحرف اليدوية: هدفها التعريف بالحرفيين وبمنتجاتهم اليدوية، والاهتمـام بهم وتشجيعهم على الإبداع واستمرار العطاء وتنمية مهاراتهم، وقيمتها 500 ألف ريال توزع بآلية خاصة عبر عدة مراكز.

** جائزة الفلكلور الشعبي: خاصة بمحافظات منطقة مكة المكرَمة، وقيمتها 100 ألف ريال.

** جائزة شاعر عكاظ: تهـدف الاعتناء بالشعر العربي الفصيح وتقدير الشاعر العربي المتميّز، من خلال منحه وسام الشعر العربي ممثلاً في لقب "شاعر عكاظ"، وهي حق لكل شاعر من شعراء العربيَّة له إنتاج منشور. ومن حقوق الفائز، الحصول على درع عكاظ، وبردة شاعر عكاظ، وجائزة مالية 300 ألف ريال، ودعوته لحضور سوق عكاظ، وإلقاء قصيدته العكاظية في حفل الافتتاح.

الفائزون بجوائز الدورة العاشرة

في 22 رمضان الماضي (27 يونيو)، سمّى أمير منطقة مكة المكرمة الفائزين بجوائز عكاظ في دورتها العاشرة، حيث تمت تسمية الشاعر الأردني محمد محمود العزام من الأردن للفوز بجائزة "شاعر سوق عكاظ"، بينما حصل الشاعر السعودي الشاب خليف بن غالب الشمري على جائزة "شاعر شباب عكاظ".

وبالنسبة للجوائز الثلاث الجديدة (الرواية وريادة الأعمال والابتكار)، فقد نال جائزة الرواية السعودي مقبول موسم العلوي عن رواية "البدوي الصغير"، كما حصل على جائزة رائد أعمال عكاظ السعودي لؤي محمد نسيب، فيما حصد جائزة مبتكر عكاظ الأكاديمي السعودي الدكتور أنس محمد باسلامة.

ويُشار إلى أن جائزتي ريادة الأعمال والابتكار، تم تخصيصها لتشجيع الشباب السعودي، بينما تأتي جائزة الرواية كجائزة عالمية، إلا أن أول الفائزين بها كان سعودياً.

أما بالنسبة لبقية الجوائز الأخرى، فقد حصل على جائزة "لوحة وقصيدة" ثلاثة سعوديين، هم: عبدالرحمن خضر الغامدي (المركز الأول)، محمد علي الشهري(المركز الثاني) ، وسعيد الهلال الزهراني (المركز الثالث).

وحصد المركز الأول في جائزة الخط العربي عبدالباقي أبو بكر من ماليزيا، ومحفوظ ذنون يونس عراقي الجنسية ثانياً، فيما حل ثالثاً يحي محمد فلاته من نيجيريا. ونال جائزة التصوير الضوئي عبدالله إبراهيم الماجد من البحرين، وظافر مشبب الشهري من السعودية، وقاسم محمد الفارسي عُماني الجنسية.

حراك السنوات التسع الماضية

في كل سنة من السنوات التسع الماضية لعودة "سوق عكاظ"، كان الحدث يمنح زائريه والضيوف برنامجاً ثقافياً ثرياً تنظم فعاليته تحت خيمة السوق الشهيرة، وهو عبارة عن مجموعة من المحاضرات، والندوات، والأمسيات الثقافية والأدبية والعلمية، بمشاركة نخبة من المثقفين والأدباء والمفكرين والشعراء السعوديين والعرب.

يضاف إلى كل تلك البرامج والفعاليات، برنامج "جادة سوق عكاظ" الذي تشرف عليه وتنظمه الهيئة العامة للسياحة والآثار، وهي عبارة عن مجموعة من الأنشطة المتنوعة التي تحاكي سوق عكاظ التاريخي، بواسطة مجموعة من المتخصصين. وعلى طول الجادة، يحظى الزوار بجولة على مواقع الحرفيين ومحترفي الصناعات اليدوية والشعبية من داخل المملكة وخارجها.

ويقدم "سوق عكاظ" سنوياً برنامجاً متكاملاً يضم عناصر عدة فكرية وأدبية وثقافية وعلمية وتراثية تعبر عن رؤية سوق عكاظ وأهدافه، والمتمثلة في مد الجسور بين الماضي والحاضر والمستقبل، وصولاً إلى إثراء الزائر ومنحه الفائدة والمتعة في آن.

حلم "مدينة عكاظ"

كشف الأمير خالد الفيصل خلال المؤتمر الصحافي عقب الإعلان عن أسماء الفائزين بجوائز عكاظ، عن إنشاء مدينة كاملة استثمارية لسوق عكاظ، حيث سيعلن ذلك من قبل الهيئة العامة للسياحة والتراث، لافتاً إلى أن أجهزة الدولة تعد دراسات متكاملة للسوق

ولعل البحث عن التطوير في احتفائية "سوق عكاظ" كل عام، لا يهدأ، إذ ستواصل لجنة التطوير عملها خلال الدورات الأربع المقبلة في عقد ورش عمل مع جمعيات الثقافة والفنون والإعلاميين، لبحث مساهمة تلك الجهات في المرحلة المقبلة، والعمل على تطوير منشآت السوق.

و تشييد "مدينة سوق عكاظ"، سيكون من خلال مجموعة عناصر تربط بينها محاور رئيسية وشوارع وممرات وميادين وساحات، في نسيج عضوي يشكّل تلك المدينة. ومن أهم تلك المحاور والميادين "جادة عكاظ" التي تبدأ من المدخل الرئيسي والميدان العام، ثم تمر بميدان خادم الحرمين الشريفين، وتنتهي بمسرح قبة النابغة، وجادة الفنون الإسلامية، وجادة الأدب العربي، وجادة الطبيعة، وميدان الفروسية والصحراء.

ولم يغفل ذلك الحلم إدراج مؤسسات مدنية حديثة، تختص بمنشآت تعليمية وثقافية وترفيهية، حيث سيتم إدراج كليات علمية خاصة في تلك المدينة، مثل: كلية السياحة والفندقة، كلية الفنون الجميلة، وكلية الأدب العربي، ومنشآت ثقافية كمسرح قبة النابغة ومتحف عكاظ الأثري، ومنشآت ترفيهية مثل: مركز عكاظ الترفيهي، مركز الفروسية، ومركز عكاظ الرياضي والاجتماعي.

واقع "عكاظ المستقبل"

وافق أمير منطقة مكة المكرمة في 26 مارس الماضي، على تطوير المعرض المصاحب للسوق "ملتقى الإبداع"، في خطوة للتجديد المستمر منذ 9 أعوام، ليتحول إلى نافذه على المستقبل إلى جانب دوره التاريخي على مدى أكثر من قرن ونصف القرن.

وسيكون من أهداف "ملتقى الإبداع" الجديد، التركيز على شريحة الشباب، في إطار ما تمت تسميته بـ"عكاظ المستقبل"، إذ يهدف المعرض إلى تحديد موقع شبابنا من الابتكارات والإبداعات المعرفية، وبحث احتياجات جيل الشباب من المبتكرين ورواد الأعمال المعرفيين، إضافة إلى أن المعرض سيجيب عن عدة تساؤلات، من بينها أين نتوجه لمواكبة العالم المعرفي في المستقبل؟ وكيف نسخر طاقاتنا وإمكاناتنا المعرفية لتحقيق ذلك؟ وكيف نؤسس لتعليم تطبيقي في العلوم والتقنية للشباب المعرفيين؟

وسيعمل معرض "عكاظ المستقبل" على إعطاء صور حية للريادة المعرفية والابتكارات الحالية، والتعليم التطبيقي للعلوم والتقنية. وسيعرض المشاركون ابتكاراتهم ومنتجاتهم المعرفية، وجعلها جزءاً من دليل عكاظ المستقبل للابتكارات والمنتجات المعرفية والشركات المعرفية الناشئة، كما ستفتح قنوات للنقاش مع المختصين والتجار والمستثمرين حول ابتكاراتهم ومشاريعهم التجارية، ومدى ملاءمتها لسد حاجات السوق وإمكانية فرص التعاون والشراكات، كذلك محاورة المختصين من التقنيين حول كيفية "نمذجة" أو تطوير ابتكاراتهم ومنتجاتهم المعرفية، من خلال استغلال الإمكانات والتقنيات البحثية وطرق الإنتاج الحديثة.

ومن خلال المعرض، سيتمكن المشاركون من النقاش مع أصحاب القرار حول الصعوبات والمعوقات التي تواجههم، إضافة لفتح قنوات حوار مع شرائح المجتمع المختلفة حول ابتكاراتهم ومنتجاتهم المعرفية، كجزء من تقييم جدواها في السوق، وأيضاً بين المبتكرين والمبدعين ورواد الأعمال المعرفيين أنفسهم، وإمكانية استثمار فرص التعاون والشراكات.
للتقييم، فضلا تسجيل   دخول
بواسطة : admin
 0  0  9731

التعليقات ( 0 )